في المرحلة الحرجة التي تمر بها الدعوة إلى الله تعالى في كثير من البلاد، ومع هذه الهجمة الشرسة على رموز ديننا، وأصول عقيدتنا، بل وبعض الأحكام الشرعية المتفق عليها.
وهذا الطوفان الطاغي على أخلاقيات (الإنسان) وكرامته، ومشاعره الحسية، بألوف المشاهد في الفضائيات والمواقع والصحف، في زحام هذا البركان الهائل.
يأتي هذا النداء الجميل، الحازم، الحاني على أمة محمد صلى الله عليه وسلم، البار بوطن الإسلام ومنبعه النقي، المتدفق حبا وشفقة على مستقبل المسلم الخالد في الآخرة.. كن .. داعيا ..
نداء يمتلئ إيجابية وتفاؤلا، لا يلتفت إلى الواقع الذي شابته المنكرات، وتغيرت فيه بعض النفوس، ولا يطالب المتلقي بأن يكون مدعوا إيجابيا فحسب، وإن تضمن ذلك معنى، بل يطالبه بأن يتجاوز ذلك كله ليكون داعيا، يشرف بالقيام بمهام الدعوة إلى الله تعالى في قوة يحملها الطلب الجازم، الخالي من أية مقدمات أو تمهيدات، لا يتحملها (الشعار) عادة، فكان ذلك له زيادة في التأثير..
إنه يغلق على السامع أية نافذة يمكن أن يهرب منها؛ ليأخذ بيده إلى الأمان الروحي الأسعد، الذي يسعد به الجسد ويصح ويرتقي في سماوات العفاف والتحضر، بل ليجعل من كلامه أحسن كلام.. {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [سورة فصلت 41/33].
كن داعيا .. فليس الزمن زمن تخاذل عن دعوة تحيي القلوب، وتنقذ النفوس..
كن داعيا.. فإن الدنيا كلها تنتظرك أيها المسلم؛ لتنهض من كبوتها الظلماء في مستنقعات الرذيلة والشقاء النفسي والظلم والاستبداد..
كن داعيا .. فأنت مكلف بها .. في نصوص يعجز البيان عن حصرها ووصفها وكشف أسرارها، فأية روح مؤمنة تسمع أمر النبي صلى الله عليه وسلم الصحيح الصريح: "بلغوا عني ولو آية"، ولا تهتز، وأي مسلم أو مسلمة يسمع: "ولو آية" ثم يعذر نفسه عن تبليغ شيء من دينه.
وهل بعد هذا التحديد الدقيق عذر لأحد؟!! هل يوجد مسلم لا يحفظ آية واحدة؟!! فماذا تبقى لمن يعذر نفسه عن الدعوة إلى الله وهو يعلم آيات وأحاديث وأحكاما وشرائع ورقائق، إنه ذلك الذي ارتمى في أحضان الدعة والكسل والأنانية، واستهوته الدنيا ومفاتنها، أو صنع حبلا من الأوهام ووضعه في عنقه..
كن داعيا في بيتك.. بتربية أولادك وزوجك على طاعة الله تعالى، ومحبته ومحبة النبي صلى الله عليه وآله وصحبه..
كن داعيا في عملك، بكلمة طيبة، وتعامل حسن مع المسلم والكافر، لتقدم الصورة المثلى لدينك..
كن داعيا في المسجد بالمشاركة في مناشطه وتهيئته للمصلين..
كن داعيا بمطوية أو كتاب تؤلفه، أو تطبعه، أو توزعه..
كن داعيا .. نعم .. كن داعيا .. وإلا فإنك تفرط في واجب، وتشارك في وهن الأمة، وتعرض نفسك لغضب الجبار، {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ} [سورة هود: 117].
وحدهم المصلحون هم الناجون حين تهلك الأمم، وليس بين الله وأحد من خلقه نسب، {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [سورة الزمر:65].
يأتي هذا النداء من وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد في بلادنا العزيزة بتوحيد الله وتطبيق شريعته، في نسخة جديدة، شرقية الموطن، أحسائية النكهة، في معرض عملاق، جاب عددا كبيرا من المدن في المملكة العربية السعودية.
ولم يزل يتنقل بقافلته المباركة، ينشر النور الرباني، والهدي النبوي الكريم، بقيم الوسطية والاعتدال، ليقول للأرض المثخنة بجراح خناجر الرذيلة والإلحاد؛ التي تصب بأيدي أدبيات الإعلام المنحرف في قلوب الناس صبا.
هنا في أرض النور يوحد الخالق البارئ الواحد الأحد الفرد الصمد، هنا نستمر في حمل أمانة الدعوة إلى الله تعالى بيد واحدة، تشتبك فيه أيدي الحكام والمحكومين، والعلماء والدعاة، والمؤسسات الدعوية والاجتماعية، وتجتمع جميع الدوائر الحكومية في دائرة واحدة، هي دائرة الدعوة إلى الله..
في هذا المعرض المتفرد، فكن داعيا.. لأن من الغبن أن تدعى فلا تجيب، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ} [سورة الأنفال 8/24].
الكاتب: د . خالد بن سعود الحليبي
المصدر: موقع المستشار